فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة ليست بحال.
{حَثِيثًا} بدل من طالب المقدّر أو نعت له، أو نعت لمصدر محذوف؛ أي يطلبه طلبًا سريعًا.
والحث: الإعجال والسرعة.
ووَلَّى حثِيثًا أي مسرعًا.
{والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} قال الأخفش: هي معطوفة على السموات؛ أي وخلق الشمس.
ورُوي عن عبد الله بن عامر بالرفع فيها كلها على الابتداء والخبر.
قوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} فيه مسألتان:
الأولى: صدق الله في خبره، فله الخلق وله الأمر، خلقهم وأمرهم بما أحب.
وهذا الأمر يقتضي النهي.
قال ابن عيينة: فرق بين الخلق والأمر؛ فمن جمع بينهما فقد كفر.
فالخلق المخلوق، والأمر كلامه الذي هو غير مخلوق وهو قوله: {كُنْ}.
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82].
وفي تفرقته بين الخلق والأمر دليل بيّن على فساد قول من قال بخلق القرآن؛ إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقًا لكان قد قال: ألا له الخلق والخلق.
وذلك عِيٌّ من الكلام ومستهجَن ومسْتَغَثٌّ.
والله يتعالى عن التكلم بما لا فائدة فيه.
ويدل عليه قوله سبحانه.
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ} [الروم: 25].
{والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} [النحل: 12].
فأخبر سبحانه أن المخلوقات قائمة بأمره؛ فلو كان الأمر مخلوقًا لافتقر إلى أمر آخر يقوم به، وذلك الأمر إلى أمر آخر إلى ما لا نهاية له.
وذلك محال.
فثبت أن أمره الذي هو كلامه قديم أزلي غير مخلوق؛ ليصح قيام المخلوقات به.
ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} [الحجر: 85].
وأخبر تعالى أنه خلقهما بالحق، يعني القول وهو قوله للمكوَّنات: {كن}.
فلو كان الحق مخلوقًا لما صح أن يخلق به المخلوقات؛ لأن الخلق لا يخلق بالمخلوق.
يدل عليه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} [الصافات: 171] {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101].
{ولكن حَقَّ القول مِنِّي} [السجدة: 13].
وهذا كله إشارة إلى السبق في القول في القِدم، وذلك يوجب الأزل في الوجود.
وهذه النكتة كافية في الردّ عليهم.
ولهم آيات احتجوا بها على مذهبهم مثل قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] الآية.
ومثل قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَّقْدُورًا} [الأحزاب: 38].
و{مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37] وما كان مثله.
قال القاضي أبو بكر: معنى {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ} [الأنبياء: 2] أي من وعظ من النبي صلى الله عليه وسلم ووعدٍ وتخويف {إلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ}؛ لأن وعظ الرسل صلوات الله عليهم وسلامه وتحذيرهم ذكر.
قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21].
ويقال: فلان في مجلس الذكر.
ومعنى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} و{مفعولًا} أراد سبحانه عقابه وانتقامه من الكافرين ونصره للمؤمنين وما حكم به وقدّره من أفعاله.
ومن ذلك قوله تعالى: {حتى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} [هود: 40] وقال عز وجل: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] يعني به شأنه وأفعاله وطرائقه.
قال الشاعر:
لها أمرُها حتى إذا ما تبوّأت ** بأخفافها مَرْعًى تبوّأ مضجَعا

الثانية: وإذا تقرّر هذا فاعلم أن الأمر ليس من الإرادة في شيء.
والمعتزلة تقول: الأمر نفس الإرادة.
وليس بصحيح، بل يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد.
ألا ترى أنه أمر إبراهيمَ بذبح ولده ولم يُرده منه، وأمر نبيه أن يُصلِّي مع أُمّته خمسين صلاة، ولم يرد منه إلا خمس صلوات.
وقد أراد شهادة حمزة حيث يقول: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140].
وقد نهى الكفار عن قتله ولم يأمرهم به.
وهذا صحيح نفيس في بابه؛ فتأمله.
قوله تعالى: {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} {تبارك} تفاعل، من البركة وهي الكثرة والاتساع.
يقال: بورك الشيء وبورك فيه؛ قاله ابن عرفة.
وقال الأزهري: {تبارك} تعالى وتعاظم وارتفع.
وقيل: إن باسمه يُتَبَرَّك ويُتَيَمَّن.
وقد مضى في الفاتحة معنى {رَبّ الْعَالَمِينَ}. اهـ.

.قال ابن جزي:

{استوى عَلَى العرش} حيث وقع حمله قوم على ظاهره منهم ابن أبي زيد وغيره، وتأوّله قولم بمعنى: قصد كقوله: ثم استوى إلى السماء، ولو كان ذلك لقال: ثم استوى إلى العرش، وتأوّلها الأشعرية أنّ معنى استوى استولى بالملك والقدرة، والحق: الإيمان به من غير تكييف، فإنّ السلامة في التسليم، ولله در مالك بن أنس في قوله للذي سأله عن ذلك: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة، وقد روي مثل قول مالك عن أبي حنيفة، وجعفر الصادق، والحسن: البصري، ولم يتكلم الصحابة ولا التابعون في معنى الاستواء، بل أمسكوا عنه ولذلك قال مالك السؤال عن هذا بدعة {يُغْشِي الليل النهار} أي يلحق الليل بالنهار، ويحتمل الوجهين، هكذا قال الزمخشري، وأصل اللفظة من الغشاء، أي يجعل أحدهم غشاء للآخر يغطيه فتغطي ظلمة الليل ضوء النهار {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي سريعًا، والجملة في موضع الحال من الليل أي طلب الليل النهار فيدركه {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} قيل: الخلق المخلوقات، والأمر مصدر أمر يأمر، وقيل: الخلق مصدر خلق، والأمر واحد الأمور: كقوله: إلى الله تصير الأمور، والكل صحيح {تَبَارَكَ} من البركة، وهو فعل غير منصرف لم تنطق له العرب بمضارع. اهـ.

.قال النسفي:

{إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوت والأرض في ستّة أيّامٍ} أراد السموات والأرض وما بينهما وقد فصلها في {حم السجدة} أي من الأحد إلى الجمعة لاعتبار الملائكة شيئًا فشيئًا، وللإعلام بالتأني في الأمور، ولأن لكل عمل يومًا، ولأن إنشاء شيء بعد شيء أدل على عالم مدبر مريد يصرّفه على اختياره ويجريه على مشيئته {ثمّ استوى} استولى {على العرش} أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه وتعالى مستوليًا على جميع المخلوقات، لأن العرش أعظمها وأعلاها.
وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقرار كما تقوله المشبهة باطل، لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان وهو الآن كما كان، لأن التغير من صفات الأكوان.
والمنقول عن الصادق والحسن وأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهم، أن الاستواء معلوم، والتكييف فيه مجهول، والإيمان به واجب، والجحود له كفر، والسؤال عنه بدعة.
{يغشى الليل النّهار} {يغشى} حمزة وعلي وأبو بكر.
أي يلحق الليل بالنهار والنهار بالليل {يطلبه حثيثًا} حال من الليل أي سريعًا.
والطالب هو الليل كأنه لسرعة مضيه يطلب النهار {والشّمس والقمر والنّجوم} أي وخلق الشمس والقمر والنجوم {مسخّراتٍ} حال أي مذللات {والشمس والقمر والنجوم مسخراتٌ} شامي {والشمس} مبتدأ والبقية معطوفة عليها والخبر {مسخرات} {بأمره} هو أمر تكوين.
ولما ذكر أنه خلقهن مسخرات بأمره قال: {ألا له الخلق والأمر} أي هو الذي خلق الأشياء وله الأمر {تبارك اللّه} كثر خيره أو دام بره من البركة النماء أو من البروك الثبات ومنه البركة {ربّ العالمين}. اهـ.

.قال البيضاوي:

{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي في ستة أوقات كقوله: {وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أو في مقدار ستة أيام، فإن المتعارف باليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن حينئذ، وفي خلق الأشياء مدرجًا مع القدرة على إيجادها دفعة دليل للاختيار واعتبار للنظار وحث على التأني في الأمور. {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزهًا عن الاستقرار والتمكن والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك. {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار} يغطيه به ولم يذكر عكسه للعلم به، أو لأن اللفظ يحتملهما ولذلك قرئ {يغشي الليل النهار} بنصب {اليل} ورفع {النهار}. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم بالتشديد فيه وفي الرعد للدلالة على التكرير. {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} يعقبه سريعًا كالطالب له لا يفصل بينهما شيء، والحثيث فعيل من الحث وهو صفة مصدر محذوف أو حال من الفاعل بمعنى حاثًا، أو المفعول بمعنى محثوثًا. {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} بقضائه وتصريفه ونصبها بالعطف على السموات ونصب مسخرات على الحال. وقرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء والخبر. {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} فإنه الموجد والمتصرف. {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظم بالتفرد في الربوبية. وتحقيق الآية، والله سبحانه وتعالى أعلم، أن الكفرة كانوا متخذين أربابًا فبين لهم أن المستحق للربوبية واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لأنه الذي له الخلق والأمر فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على ترتيب قويم وتدبير حكيم فأبدع الأفلاك ثم زينها بالكواكب كما أشار إليه بقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات في يَوْمَيْنِ} وعمد إلى إيجاد الأجرام السفلية فخلق جسمًا قابلًا للصور المتبدلة والهيئات المختلفة، ثم قسمها بصور نوعية متضادة الآثار والأفعال وأشار إليه بقوله وخلق الأرض أي ما في جهة السفل في يومين، ثم أنشأ أنواع المواليد الثلاثة بتركيب موادها أولًا وتصويرها ثانيًا كما قال تعالى بعد قوله: {خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْنِ} {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِن فَوْقِهَا وبارك فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أي مع اليومين الأولين لقوله تعالى في سورة السجدة: {الله الذي خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ} ثم لما تم له عالم الملك عمد إلى تدبيره كالملك الجالس على عرشه لتدبير المملكة، فدبر الأمر من السماء إلى الأرض بتحريك الأفلاك وتسيير الكواكب وتكوير الليالي والأيام، ثم صرح بما هو فذلكة التقرير ونتيجته فقال: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {إن ربكم الله} يعني إن سيدكم ومالككم ومصلح أموركم وموصل الخيرات إليكم والذي يدفع عنكم المكاره وهو الله: {الذي خلق السموات والأرض} أصل الخلق في اللغة التقدير ويستعمل في إيداع الشيء من غير أصل سبق ولا ابتداء تقدم.
فقوله: خلق السموات والأرض يعني أبدعهما وأنشأ خلقهما على غير مثال سبق وقدر أحوالهما {في ستة أيام} فإن قلت: اليوم عبارة عن مقدار من الزمان وذلك المقدار هو من طلوع الشمس إلى غروبها فكيف قال في ستة أيام ولم يكن شمس ولا سماء قلت معناه في مقدار ستة أيام فهو كقوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيًا} يعني على مقادير البكر والعشي في الدنيا لأن الجنة لا ليل فيها ولا نهار.
واختلف العلماء في اليوم الذي ابتدأ الله عز وجل بخلق الأشياء فيه فقيل في يوم السبت وهو قول محمد بن إسحاق وغيره، ويدل على صحة هذا القول ما روى مسلم في إفراده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال «خلق الله تعالى التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجرة يوم الأثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وخلق الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» وهذا الحديث وإن كان في صحيح مسلم ففيه مقال وقد أنكره بعض العلماء لما فيه من المخالفة للآية الكريمة لأن الله تعالى يقول: خلق السموات والأرض في ستة أيام.